العلاقة بين التطبيقات المصرفية والهجرة العكسية

ثلاثاء, 12/03/2024 - 11:42

البلاد تعيش على وقع أزمة اقتصادية غير معلنة سببها نقص حاد في مصادر النقد الأجنبي وارتفاع حصة الدين العام من الموازنة العامة بالتوازي مع وجود سوق سوداء تضارب على أسعار العملات (الدولار- اليورو) حيث كانت تستفيد بجشع من تثبيت سعر الأوقية في ظل النقص الحاد في احتياطيات البنك المركزي من العملات الصعبة بغض النظر عن الأسباب.

الأمر وصل درجة أن البنوك التجارية أصبحت تحول احتياطاتها من النقد الأجنبي لهذه السوق لتستفيد من فرق السعر وهذا مفهوم من خلال فرض المركزي نظام إلكتروني صارم لمراقبة الاحتياطات النقدية بالتزامن مع تحرير سعر صرف الأوقية والمساعي المعلنة لدمج أكبر عدد منها عن طريق فرض زيادة رأس المال.

المهم أن المستوردين والبنك المركزي يواجهون مشكلة مستعصية في تلبية حاجياتهم وحاجيات الحكومة من النقد الأجنبي نتيجة انخفاض المداخيل الدولارية وتخصيص المتوفر منها لخدمة الدين العام الذي في حالة التخلف عن سداد أقساط السنوي سنكون أمام احتمال إفلاس الدولة وتنفذ المانحين على الموارد الاقتصادية وفرض سياسات قاسية، هذا دون التطرق لفقدان السيادة على القرار الاقتصادي وكوارث تخفيض الائتمان.

بالمحصلة سيرتفع سعر البضائع بنسبة 1000% على المواطنين مع التبعات الاجتماعية والسياسية لذلك.

حسب التقديرات السوق السوداء تحتكم على حوالي 06 مليار دولار على شكل سيولة نقدية وأرصدة جارية في بنوك أجنبية والبنك المركزي في السابق كان يشتري الدولار من هذه السوق ليوفر للحكومة احتياطي نقدي أجنبي ثابت وخدمة أعباء الدين العام.

السؤال الذي يدور في ذهنك هو عن مصدر أموال هذه السوق؟ ببساطة الممون الأول لهذه السوق هو: المال السياسي والثروات التي تم اختلاسها من الموازنات العامة، عائدات غسيل الأموال، العمولات التي يحصل عليها المسؤولين مقابل التوقيع على اتفاقيات مجحفة، احتياطيات البنوك التجارية التي تشتري الدولار من المركزي وتضارب به في السوق السوداء بالإضافة لكل النشاطات التي يمارسها الأشخاص الطبيعيين والشركات في ظل وجود مقراتها المالية في البلاد مثل شبكات الدعارة والنصب والشعوذة المنتشرة في دول الخليج.

في المقابل ذلك تتلخص إيرادات الدولة من النقد الأجنبي في مداخيل رخص القطاعات المعدنية اتفاقيات الصيد القروض وبعض والصادرات.

الآن سأحتاج تركيزك لفهم ما لا تخبرك به الحكومة خوفا من إثارة هلع الأسواق:

هناك مستورد موريتاني يريد استيراد السكر أو القمح، وآخر يريد جلب أجهزة كهربائية وغيره يريد شراء أدوية وأجهزة الكترونية، الحكومة تريد تسليح الجيش وسداد الدين العام كل هذا في ظل واقع أننا لا نصنع، لا نزرع، لا ننسج هذه الشركات والأشخاص الطبيعيين يعملون في السوق الداخلية ومواردهم بالعملة المحلية ويحتاجون للنقد الأجنبي لشراء السلع والخدمات من السوق العالمية. الطبيعي أن يذهب هؤلاء للمصارف ويحصلوا على اعتماد مستندي بقيمة أموالهم ليتمكنوا من دفع ثمن البضائع وانتهينا.. المشكلة أن المصارف لا تستطيع تلبية الطلب المتزايد على النقد الأجنبي بسبب المديونية العالية وعجز البنك المركزي عن توفير حاجيات المصارف التجارية التي أصبحت تستخدم العملات الصعبة لاحتكار سلع وبضائع حيوية لصالح كبار المستوردين.

هل فهمت الآن سبب كثرة المصارف، وأن كل عائلة تملك مصرفا خاصا؟ أضف إلى هذا أن التجار والمواطنين لا يثقون في النظام المالي الوطني بسبب انتشار الفساد وضعف الرقابة وضياع عدة مليارات على خلفية انهيار مصرف موريتانيا الجديد NBM وموريس بانك. على خلفية هذه العوامل وغيرها أصبحت السوق السوداء خيار مفروض مع امتياز السرعة وعدم وجود معايير استمارة 'Kwc' المشكلة أن هذه الخدمة تأتي مقابل ثمن يضاف إلى سعر صرف الدولار الذي يقوم التاجر بنقله بسهولة إلى كاهل المستهلك النهائي الذي يصدف أنه أنا وأنت، وبالتالي ترتفع الأسعار علينا أكثر مما هي مرتفعة بالإضافة إلى أن المستثمرين الأجانب عندما أدركوا صعوبة الحصول على الدولار بسعر الصرف توقفوا عن الاستثمار في البلاد.

الحكومة بتوصية من المانحين كشرط أساسي للحصول على قروض يجب أن تبتلع هذه السوق وتدمجها في الدورة الاقتصادية الرسمية، لذلك قامت برفع سعر الفائدة مرتين لتشجيع أصحاب الرساميل القذرة على إقراض الحكومة مقابل أرباح مغرية وقامت أيضا بتحرير صرف الأوقية بحيث أصبح خاضع لنظام العرض والطلب، وبالتالي أدخلت السوق السوداء في غيبوبة عن طريق التعويم وتوحيد سعر الصرف.. هذه الخطة معروفة ومجربة لكنها في نفس الوقت خطيرة للغاية في حالة عدم ثبات العوامل أو في حالة لم تكن أشراطها متوفرة وهذه حالة البلاد اليوم. هذه الخطوات لم ولن تكون سهلة على الحكومة ولا يمكن مقارنتها بشيء باستثناء قرار إعلان الحرب، لهذا لا بد من أن تنجح في تحقيق أهدافها المرسومة لأن البديل ببساطة هو مجاعة تستمر لسنوات.. الضامن الأول لنجاح هذه المغامرة الاقتصادية الخطيرة هو وقتل السوق السوداء اسبتاليا عبر إغراق السوق بالنقد الأجنبي، ومنع أرباب العمل من الاستيراد لصالح دول أخرى من خلال نظامنا المصرفي، وفي حالة الفشل في ذلك ستتعافى السوق الموازية وتستفيق من غيبوبتها وتستمر في المضاربة، النتيجة ستكون خسارة الاقتصاد لمليارات الدولارات على خلفية أن زيادة الفائدة وقرار التعويم رفع قيمة الدين الخارجي والداخلية منذ الاستقلال بحوالي 30% كما عمل على تخفيض قيمة الأصول الاقتصادية الوطنية بنفس النسبة وأسهم في رفع عجز الموازنة بحوالي 10% بسبب الدعم القائم لبعض المواد. النظام مضطر لعكس هذه العملية عن طريق إغراق السوق الداخلية بالنقد الأجنبي لخفض الطلب عليه لصالح الأوقية لذلك حدد سقفا للحوالات الإلكترونية عبر التطبيقات البنكية لضرب السوق السوداء في الخارج "البديلة" بهدف الاستفادة من التحويلات الدولارية للجاليات في الخارج عبر إرغامها على استخدام نظام " SWIFT" هذه الخطوات ضرورية وتشجع الأموال الساخنة على دخول للبلاد نظرا لتحييد شبح تحكم البنك المركزي في سعر صرف الأوقية من المعادلة الاستثمارية بالإضافة لدمج السوق السوداء للوصول إلى التوازن السعري الذي يريح المواطن، هذا يا سادة هو السبب في أن غزواني مصر على توقيع الاتفاق القاضي بترحيل اللاجئين الأفارقة رغم أنه يعلم يقينا أن هذا القرار يقدح في السيادة الوطنية، ويهدد الأمن القومي، لكن كل هذا يستطيع غزواني ابتلاعه مقابل الحصول على تدفقات نقدية منتظمة.

في حال فشل الاتفاق لأي سبب، سيكون على الحكومة بشكل أو بآخر تدبير حوالي مليار دولار سنويا على الأقل، وهو الشيء الذي ستفعله حتى لو اضطرت لرهن البلاد للشيطان، لأن البديل ببساطة هو ثورة جياع ستقضي على النظام وربما على وجود الدولة الموريتانية من الأساس.

محمد يعقوب ولد محمد سالم