تآزر "الدبلوماسیة والمیدان" فی حکومة الشهید رئیسی

خميس, 23/05/2024 - 10:28

إن السیاسة الإقلیمیة المشرفة وتعزیز العلاقات مع الجیران، لم تکن سوى جانب واحد من الجوانب العدیدة للخدمات القیمة التی قدمها الشهید السید إبراهیم رئیسی، والذی أظهر بعد سنوات عدیدة الحلقة المفقودة للتقارب الکامل بین المیدان والدبلوماسیة لخدمة مصالح الشعب الإیرانی.

ردود الفعل الواسعة من حکومات وشعوب المنطقة على استشهاد السید رئیسی ورفاقه، ومن بینهم الشهید حسین أمیر عبد اللهیان رئیس السیاسة الخارجیة الإیرانیة، فی حادث تحطم المروحیة، کشفت بشکل کامل عن هذا الجانب البارز من الأنشطة الجهادیة للحکومة الإیرانیة الثالثة عشرة فی مجال السیاسة الخارجیة.

عندما تولى آیة الله رئیسی منصب الرئاسة فی أغسطس 2021، کان توتر العلاقات مع الدول العربیة فی المنطقة ومسألة العقوبات، من المعضلات الخطیرة التی واجهتها الجمهوریة الإسلامیة فی السیاسة الخارجیة.

 ومنذ البدایة، بذل الشهید رئیسی جهودًا کبیرةً للتغلب على هذه التحدیات، دون التراجع عن المواقف المبدئیة للجمهوریة الإسلامیة فی الساحتین الإقلیمیة والدولیة ومصالح الشعب الإیرانی.

لقد حاول الشهید رئیسی مواءمة مجال الدبلوماسیة مع المیدان، وتوفیر المصالح الوطنیة لإیران. حیث أبطلت حکومة رئیسی الفکرة الموجودة لدی البعض بأنه من خلال تعزیز المیدان، لیس من الممکن وجود دبلوماسیة ناجحة فی السیاسة الخارجیة. إذ من خلال تعزیز المیدان، تحسنت علاقات الجمهوریة الإسلامیة مع دول المنطقة والعالم، وبالإضافة إلى التعزیز الشامل للتعاون مع الجیران القریبین والبعیدین، فقد حوّلت إیران إلى إحدى القوى المؤثرة فی التطورات العالمیة.

والزیارات المتکررة لکبار المسؤولین من الدول الأخرى إلى طهران وبالعکس، حطمت الرقم القیاسی للتجارة الخارجیة غیر النفطیة فی تاریخ إیران، وقد تم تسجیل ذلک فی سجل أنشطة الحکومة الإیرانیة الثالثة عشرة التی استمرت أنشطتها ثلاث سنوات. 

قام السید رئیسی بعشرات الرحلات إلى دول أخرى خلال 33 شهرًا من رئاسته، ومن خلال تعزیز الاستراتیجیات الثلاث وهی "دبلوماسیة الجوار" و"الدبلوماسیة الاقتصادیة" و"إحیاء النظرة إلى الشرق"، حاول خطوةً بخطوة فتح العقد الصعبة فی المعادلات الدولیة المعقدة لصالح المصالح الإیرانیة.

ومن خلال وضع الدبلوماسیة الاقتصادیة على رأس أهدافها وخططها، ومع إعطاء الأولویة لتطویر العلاقات مع الجیران، اتبعت الوزارة الخارجیة للحکومة الإیرانیة الثالثة عشرة فی الوقت نفسه استراتیجیة التطلع إلى الشرق، وتوسیع العلاقات مع دول الجنوب العالمی فی آسیا وأفریقیا وأمریکا اللاتینیة.

وفی العلاقات الإقلیمیة، کان التوتر مع السعودیة أحد أهم التحدیات فی العقد الماضی، وهو ما رکّز علیه الشهید رئیسی. ومنذ تولیه منصبه، کلّف فریقاً من المسؤولین السیاسیین والأمنیین بمواصلة المفاوضات مع السعودیین فی العراق، وقد أتت هذه المفاوضات المکثفة بثمارها فی العام الثانی للحکومة الإیرانیة الثالثة عشرة.

کان توقیع اتفاق استئناف العلاقات مع السعودیة فی مارس 2022، نقطة تحول فی علاقات إیران مع الدول الخلیجیة. حیث أن تحسن العلاقات بین إیران والسعودیة کقوتین مهمتین فی غرب آسیا، ساهم فی تعزیز آفاق السلام والاستقرار فی المنطقة، وقضى على جزء کبیر من مخططات الولایات المتحدة والکیان الصهیونی فی الاصطیاد من المیاه العکرة لاستمرار النزاعات الإقلیمیة.

لقد تم التوصل إلى الاتفاق بین إیران والسعودیة، فی وقت کان للسعودیین علاقات عدائیة مع إیران بسبب دعم إیران للشعب الیمنی، لکن الشهید رئیسی تمکّن من لعب دور فعال فی الانطلاق الجاد للمفاوضات بین صنعاء والریاض لإنهاء الحرب بدبلوماسیة مشرفة، فی الوقت نفسه الذی واصل فیه دعم إیران الثابت للشعب الیمنی المضطهد.

وإلی جانب تعزیز مکانة إیران فی دعم الاستقرار الإقلیمی، فإن الشهید رئیسی أعاد العلاقات المتوترة مع السعودیة إلى حقبة ما قبل التوتر. وفی هذا الاتفاق، بدا واضحاً إنشاء علاقة وثیقة بین المیدان والدبلوماسیة.

کما أدى تحسین العلاقات مع السعودیة، إلى خلق فرص لتعزیز العلاقات بین طهران والعرب الآخرین. وکانت مصر إحدى هذه الدول المؤثرة فی المنطقة، التی سلکت طریق تطبیع العلاقات مع إیران فی عهد السید رئیسی.

وکانت اجتماعات مسؤولی الحکومة الإیرانیة الـ13 مع نظرائهم المصریین لتطبیع العلاقات بعد أربعة عقود من التوتر، من أبرز معالم دبلوماسیة حکومة الشهید رئیسی. ومن أهم اللقاءات کان لقاء الشهید رئیسی بالرئیس المصری عبد الفتاح السیسی على هامش اجتماع منظمة التعاون الإسلامی فی جدة، والذی أذاب الجلید بین البلدین الإسلامیین المهمین.

زیادة الدعم للمقاومة فی الحکومة الإیرانیة الثالثة عشرة

على الرغم من أن دعم الحکومات والجماعات المتحالفة الأعضاء فی محور المقاومة والدول الإسلامیة المضطهدة بسبب احتلال الکیان الصهیونی والاستکبار العالمی، کان دائمًا مبدأً استراتیجیًا وثابتًا فی استراتیجیة السیاسة الخارجیة للجمهوریة الإسلامیة، لکن فی الحکومة الإیرانیة الثالثة عشرة، وصل تعزیز جبهة المقاومة وزیادة التنسیق بین طهران وأطراف المقاومة الأخرى إلى ذروته.

لقد أوضح الشهید رئیسی فی خطاباته فی المحافل الدولیة، ومن خلال تبیین مواقف الجمهوریة الإسلامیة، أن الدبلوماسیة لا تتناقض مع المیدان. وکلمة الشهید رئیسی أمام الجمعیة العامة للأمم المتحدة عام 2021، والتی رفع فیها صورة الشهید قاسم سلیمانی کرمز للمقاومة ومحاربة الإرهاب الدولی، ذکّرت العالم بهذا المبدأ لیعلموا أن الجمهوریة الإسلامیة مستمرة فی تنفیذ العدالة ومحاکمة الآمر والمنفذ أمام محکمة عادلة حتى الوصول إلى نتیجة نهائیة.

وکانت سوریا بدایة الرحلات الدبلوماسیة التی قام بها الشهید رئیسی إلى دول المقاومة فی مایو 2023، حیث سافر بعد 13 عامًا من الأزمة والحرب فی سوریا إلى دمشق بصفته أعلى مسؤول تنفیذی لإیران على رأس وفد رفیع المستوى؛ وهی رحلة استراتیجیة حققت إنجازات کبیرة، وکان لها دور مهم فی تعزیز محور المقاومة. وأظهرت هذه الرحلة بالفعل فشل السیاسات العبریة الغربیة فی سوریا، التی حاولت جاهدةً إضعاف محور المقاومة وتنفیذ مخططاتها.

الجهود الحثیثة لحکومة رئیسی لدعم فلسطین

ذروة نجاح دبلوماسیة الحکومة الإیرانیة الثالثة عشرة فی الاستراتیجیة الإقلیمیة لدعم المقاومة، تحققت فی عملیة "طوفان الأقصى" فی قطاع غزة.

حیث أن الدبلوماسیة النشطة للجمهوریة الإسلامیة، وخاصةً مع جهود الشهید أمیر عبد اللهیان فی خطاباته فی القمم الدولیة واللقاءات الدبلوماسیة مع المسؤولین العالمیین، ترکت أثراً إیجابیاً للغایة فی تحول المناخ السیاسی الدولی ضد جرائم الکیان الصهیونی، ولصالح الشعب الفلسطینی المظلوم.

لم تمر سوى أیام قلیلة على بدایة أعمال الإبادة الجماعیة التی ارتکبها الکیان الصهیونی فی غزة، عندما بدأ الرئیس الإیرانی الراحل مشاوراته لوقف هذه الجرائم بشکل أسرع. ومن المقترحات والمبادرات الممیزة للشهید رئیسی، کان عقد اجتماع لرؤساء الدول الإسلامیة فی مدینة جدة السعودیة، بعد أسابیع قلیلة من بدء الحرب على غزة.

بعد 11 عاماً، وبعد أشهر قلیلة من إعادة فتح سفارتی البلدین، ذهب السید رئیسی إلى الریاض بالکوفیة الفلسطینیة کدلیل على دعم شعب غزة المظلوم، للمشارکة فی الاجتماع الطارئ لمنظمة التعاون الإسلامی.

وقدّم السید رئیسی فی هذا اللقاء 10 حلول فوریة للخروج من الوضع الراهن فی غزة، وبینما أدان جرائم الکیان الإسرائیلی فی غزة، طالب الدول الإسلامیة بوقف آلة القتل لهذا الکیان فی غزة، بقطع أی علاقات سیاسیة واقتصادیة مع الکیان الصهیونی.

وکان حضور السید رئیسی اجتماع منظمة التعاون الإسلامی فی جدة، ودعمه القوی للقضیة الفلسطینیة، وزیارته إلى ترکیا لتنسیق وجهات النظر بشأن دعم أهل غزة، أمثلة واضحة على الدبلوماسیة المشرفة للحکومة الإیرانیة الثالثة عشرة، الأمر الذی أظهر أن الجمهوریة الإسلامیة لا تزال تقف بثبات فی الدفاع عن قضیة القدس، ولم یتسبب مرور الوقت فی تعطیل هذا الدعم فحسب، بل تمکنت إیران من إعادة انتباه العالم إلى القضیة الفلسطینیة.

ولعب مسؤولون فی الحکومة الإیرانیة الثالثة عشرة، ومن بینهم الشهید حسین أمیر عبد اللهیان، وزیر الخارجیة الإیرانی السابق، عبر رحلات متکررة لدول المنطقة فی الأشهر الأخیرة، دورًا مهمًا فی عرض وجهات نظر الجمهوریة الإسلامیة، من أجل خلق تقارب بین دول المنطقة لدعم فلسطین.

کما تمکنت الحکومة الإیرانیة الثالثة عشرة بقیادة السید رئیسی، من خلال تقدیم الوجه الحقیقی والمتعطش للدماء للصهاینة، من تغییر مواقف دول التسویة العربیة التی کانت تتخذ خطوات نحو تطبیع العلاقات مع کیان الاحتلال فی السنوات الأخیرة، وتحویلها ضد هذا الکیان. وقد تأثر تعلیق مشروع التطبیع فی الأشهر الأخیرة، بالدبلوماسیة الناجحة للحکومة الإیرانیة الثالثة عشرة إلى حد کبیر.

وفی المجال الأمنی أیضًا، کانت إقامة تعاون واسع النطاق بین فصائل المقاومة لمعاقبة الکیان الصهیونی فی قطاع غزة، إحدى النقاط المرکزیة لتضافر الدبلوماسیة والمیدان فی الحکومة الإیرانیة الثالثة عشرة، الأمر الذی وجّه ضربةً کبیرةً لهیبة وقوة الکیان الصهیونی وحلفائه الغربیین فی المنطقة.

وفی هذا السیاق، تسببت عملیة أنصار الله فی البحر الأحمر، والتی أدت إلى خفض حرکة السفن الصهیونیة من هذا الممر المائی الدولی إلى الصفر، فی خسائر مالیة فادحة لهذا الکیان، وقد أعربت سلطات تل أبیب عن قلقها من استمرار هذا الوضع. لدرجة أن المسؤولین الأمیرکیین لجأوا خلال الأشهر الأخیرة إلى وسطاء إقلیمیین ودولیین، لإقناع الجمهوریة الإسلامیة بوقف عملیات أنصار الله فی البحر الأحمر، وتشیر هذه التحرکات من جانب واشنطن إلى تنامی قوة إیران على الساحة الإقلیمیة.

ورغم أن فصائل المقاومة فی العراق ولبنان والیمن قالت إنها تتحرک بشکل عفوی لدعم الشعب الفلسطینی، إلا أن الدور الحکیم والقیادی للجمهوریة الإسلامیة من خلال حکومة الشهید رئیسی ظهر بوضوح فی "وحدة الساحات".

وکان الشهید رئیسی قد قال ، إن عملیة الوعد الصادق کانت مظهراً واضحاً للتعاون بین المیدان والدبلوماسیة والإعلام. وأضاف أن "هذه العملیة أظهرت أن إیران القویة قادرة على إزالة ظلال الحرب والخیار العسکری من الطاولة".

إن حقیقة أن العدید من الدول اعتبرت عملیة "الوعد الصادق" الإیرانیة بمعاقبة الکیان الصهیونی حقًا مشروعًا للجمهوریة الإسلامیة، أظهرت أن الجهود الدبلوماسیة التی بذلتها الحکومة الإیرانیة الثالثة عشرة فی مجال الدبلوماسیة لإظهار شرعیة إجراءات إیران ضد أعدائها، کانت ناجحةً.

وبالإضافة إلى القضایا السیاسیة والأمنیة، کان دور الحکومة الإیرانیة الثالثة عشرة فی تطویر العلاقات الاقتصادیة مع الدول الأخرى جدیرًا بالثناء. ففی فترة الحکومة الإیرانیة الثالثة عشرة، وبعد سنوات من الانتظار، أصبحت إیران عضواً دائماً فی منظمة شنغهای للتعاون، وتوسعت علاقات طهران مع دول المنطقة فی إطار هذه المنظمة.

وکانت زیادة التبادلات مع روسیا والصین والهند وجمهوریات آسیا الوسطى فی السنوات الثلاث الماضیة، أحد إنجازات حکومة رئیسی، وسیتجلى الدور الفعال لهذه التفاعلات بشکل أکبر فی المستقبل.

ومن ناحیة أخرى، کانت العضویة فی مجموعة "البریکس" الاقتصادیة بقیادة الصین وروسیا، أحد الإنجازات الناجحة لحکومة رئیسی فی مجال السیاسة الخارجیة. وأحد أهداف البریکس هو الانفصال عن الدولار، باعتباره العملة القیاسیة للتجارة الدولیة.

وهذا یظهر المکانة المحوریة لتعزیز العلاقات السیاسیة والتجاریة لدی الحکومة الإیرانیة الثالثة عشرة مع دول الجوار، وکذلک حلفائها فی الشرق، وهو نهج یهدف إلى الانفراج فی الاقتصاد الإیرانی ومواجهة العقوبات الاقتصادیة الأمریکیة.

سفارة الجمهورية الاسلامية الايرانية في نواكشوط