باسم المتسللين عبر الحدود: شكرا للرئيس ترامب!

أربعاء, 27/12/2023 - 09:52

عرفت الولايات المتحدة بأنها دولة تتكون من المهاجرين ‏الذين توافدوا ‏عبر‏ ‏التاريخ ‏بعد أن تم قتل من قتل من السكان الأصليين ‏ ‏وتهميش ‏من بقي حيث باتوا يعيشون في ظروف مزرية. ‏لكن تاريخ الهجرة ‏والمهاجرين مر بمراحل متعددة ‏‏وصولا ‏إلى الموجات الأخيرة التي بدأت قبل ستة أو سبعة ‏أعوام ‏ولا زالت متواصلة. الموجة ‏اتسمت بالزيادة المتسارعة لأعدد المتسللين عبر الحدود البرية ‏الذين كان معظمهم من دول أمريكا اللاتينية ‏بالإضافة إلى الزيادة الملحوظة في أعداد القادمين من دول أخرى مثل موريتانيا (أخيرا)‏ ‏والتي أثارت ‏دهشة المسؤولين الأمريكيين. ‏‏فخلافا ‏للدول التي تعانين من حروب أهلية أو كوارث طبيعية ‏أو زعزعة سياسة، ‏تعتبر ‏موريتانيا دولة مستقرة بجميع المقاييس‏ وانعدام أي تغيير يذكر‏ ‏باستثناء اكتشاف النفط والغاز الطبيعي مؤخرا، ‏إضافة إلى ثرواتها الطبيعية الأخرى الوافرة.

 ‏فما هو إذا ‏سبب التدفق المفاجئ ‏لهذه الأعداد الكبيرة من المتسللين ‏عبر الحدود المكسيكية؟ ‏ ‏في الواقع يعود الفضل‏ كله ‏في ذلك إلى الرئيس السابق دونالد ترامب ومواقفه وسياساته ‏المتشددة من الهجرة والمهاجرين.

 ‏اشتهر ‏دونالد ترامب بشخصية النرجسية وخطبه ‏ومواقفه السياسية المديرة ‏للجدل ‏بين ‏معارضيه و ‏مناصريه ‏على حد سواء ‏واستخفافه بالتقاليد ‏المتعارف عليها‏. ‏كما أنه لم يكن يحظى باحترام كبير بين ‏رجال الأعمال ولا في أوساطالسياسيين والنخبة المثقفة ‏مما جعل ‏منه أضحوكة ‏عندما أعلن ترشحه للرئاسة، ‏في البداية على الأقل. ‏لهذه الأسباب ‏تبنى مواقف متطرفة ‏‏ذات ‏نكهة عنصرية،‏ ‏سعيا منه ‏لجذب كل من يستطيع من الأغلبية البيض ذوي الأصول الأوروبية إلى صفوف مناصريه. ‏وكان من أبرز ما اشتهر به ‏مواقفه المتطرفة‏ ‏نحو الهجرة والمهجرين ‏والتي تمت ‏ترجمة ‏بعضها إلى سياسات رسمية بعد انتخابه. ‏فقد أعلن ‏على سبيل المثال لا الحصر ‏عزمه ‏على ‏حظر ‏دخول جميع المسلمين ‏إلى الولايات المتحدة، ‏ووصف المهاجرين ‏المكسيكيين ‏بأنهم ‏مجرمون وقتلة ومغتصبون. ‏ومما عرف عن الرئيس السابق أيضا مهارته ‏في تسخير وسائل الإعلام لخدمة أهدافه‏ ‏ونشر أفكاره على ‏أوسع نطاق.

كان ‏ دونالد ترامب ‏يردد كل فرصة تتاح له ‏أن الحدود الجنوبية ‏مفتوحة على مصراعيها لدخول كل من هب ودب ‏ ‏لحد يشكل خطرا على الأمن القومي ‏و ‏ويتوعد ‏ببناء ‏جدار لم ير ‏مثله ‏ليقف بالمرصاد لكل من تسول له نفسه التسلل إلى البلاد. ‏وبطبيعة الحال لقيت هذه الفكرة ترحيبا ‏كبيرا ‏من للذين ‏ ‏يعتقدون أن المهاجرين يمثلون جزاء ا ‏من مغامرة‏ ‏محكمة ‏تهدف ‏احتلال ‏البلاد وتحويلها إلى ‏دولة ‏من دول أمريكا اللاتينية أو خليفة إسلامية. ‏كانت ‏أصداء ‏هذه الرسالة تتردد في أنحاء المعمورة ‏وترويج ‏فكرت أن الحدود مفتوحة ‏لكل من يرغب ‏في دخول ‏بلاد ميكي ماوس ‏وعيش الحلم الأمريكي. ومن ناحية أخرى كانت هذه الرسالة ‏تثير ‏مخاوف الكثير بأن هذه السياسات المتطرفة ‏ستبدد ‏أية ‏آمال لديهم ‏في ‏أن يطؤوا ‏هذه التربة يوما ما إذا تمت السيطرة الكاملة على الحدود الجنوبية ومنع عبور المتسللين منها. ‏ونتيجة لهذه العوامل أخذ سكان بعض دولأمريكا اللاتينية ‏يتدفقون ‏بالتجاه الحدود الجنوبية قبل فوات الأوان، ‏وفي وضح النهار. ‏ ‏فبدأ ‏سكان وهندوراس و ‏لغواتيمالا والسلفادور ‏ينظمون قوافلتضم آلاف الأشخاص ‏للنزوح شمالا في اتجاه الولايات المتحدة طبقا لما ورد في دارسة من جامعة كالفورنيا في سان دياغو. وبعد ذلك بدأت الأخبار سهولة التسلل ‏تتناقل ‏عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل (أو بالأحرى التفاصل)الاجتماعي شيئا فشيئا إلى أن وصلتنا في موريتانيا أخيرا.

والمفارقة هنا ‏هي أن سياسات ‏رئيس الولايات المتحدة السابق ‏ومواقفه المتطرفة أدت إلى نتيجة عكسية تماما. ‏فعدد ‏المتسللين (خصوصا من غير المكسيكيين) ‏شهد ‏ازدياد ‏متواصل‏ ‏تزامنا مع تقلده (دونالد ترامب) منصب الرئاسة حسب ما أورده مركز ابيو (Pew) للبحوث. ‏والغريب ‏في الأمر ‏إن هذه ليست المرة الأولى التي تفشل فيها سياسة ‏الهجرة في تحقيق الأهداف المنشودة. ‏فقد توصل ‏بعض الباحثين إلى أن ‏تغييرا في قانون الهجرة سنة 1965 ‏بهدف الحد من ‏دخول المكسيكيين ‏من خلال تخفيض عدد تأشيرات العمل المؤقتة ‏الممنوحة لهم ‏تزامن ‏ ‏مع ارتفاع ‏‏ ‏مذهل إعداد ‏المتسللين عبر الحدود البرية.

ورغم أن تزامن حدث وآخر ليس دليلا قاطعا على وجود علاقة سبب ومسبببينهما، لكن الخلاصة المستنتجة من هذا التحليل مدعومة بالحجج التالية:

 

1. انعدام وجود أي تفسير منطق بديل

 

2. غياب أي تغيير حديث في الأنظمة السياسية والاقتصادية لدول أمريكا اللاتينية التي شكلت نصيب الأسد من المهاجرين (باستثناء فنزويلا)، فضلا عن الدول التي تقع في الجنب الآخر من الكرة الأرضية مثل

 

3. حتى وباء كوفيد-١٩ لا يمكن اعتباره سببا لهذه الموجة التي سبقت انتشار الوباء، لكنها (الوباء) قد يكون سبب مساعد ساهم في ازدياد أعداد المهاجرين لاحقا.

 

4. وجود سابقة توثق النتائج العكسية لسياسات قوانين الهجرة المتشددة تساند هذه الخلاصة التي تعتبر أن مواقف وسياسات الإدارة الأمريكية السابقة كانا العاملين الأهم في ظهور الموجة الحالية والتي بدأت حدتها تتزايد منذ سنة 2017.

 

 

المراجع

1. https://usmex.ucsd.edu/_files/TheMigrantCaravan-FromHondurastoTijuana-Au...

 

2. https://www.pewresearch.org/wp-content/uploads/2021/11/FT_21.11.01_Mexic...

 

3. https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC3407978/figure/F1/

الدكتور أحمد ولد سيدي محمد - خبير في علم الأوبئة، وعضو هيئة تدريس جامعي، مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية