المهندس يحي ولد حدامين تاريخ مهني حافل بالعطاء لموريتانيا

اثنين, 20/11/2023 - 10:48

ليست هذه الأسطر مرافعة، ولاعلاقة لها بمسار المحاكمة الحالية.. وليس المهندس الكفء يحيى حدمين بحاجة لمن يدافع عنه، فموقفه قوي، وسيخرج كما دخل مرفوع الرأس شامخ الهامة..

وإنما يتعلق الأمر هنا بشهادة أود الإدلاء بها حتى لا يأثم قلبي بكتمانها..

يجب بداية أن أوضح أن المهندس يحيى ولد حدمين رجل عصامي أظهر نبوغا وذكاء فى بواكير عمره حددا لاحقا مساره العلمي والعملي فكان حافلا بالتألق والنجاح داخل البلاد وخارجها.. ففي العام: 1974م  نجح يحيى ولد حدمين في باكلوريا شعبة الرياضيات -وكان هو الأول في مادة الرياضيات على دفعته والثاني وطنيا- مع اثنين من زملائه فقط في الدورة الأولى وهما: ديدي ولد بيها، وشخص آخر اسمه: ولد بزيد، وقد أشرف على الباكلوريا تلك السنة فريق من الأساتذة المتميزين استجلب من فرنسا.. حصل يحيى على الرتبة الأولى كما ذكرنا، وفى الدورة الثانية نجح (9) طلاب، فكان المجموع (12) طالبا، قررت الحكومة الموريتانية منحهم إلى كندا، وقد رفض بعضهم الذهاب في المنحة إلى أن يحصل على راتب معلم آنذاك، وهو مطلب سارعت الحكومة إلى تلبيته.. وقد مكثت المجموعة (6) أشهر تلقت خلالها دراسة مكثفة في (Brébeuf Québec) وظل يحيى يتصدرها بفضل الله، ثم ذكائه ومثابرته حيث حصد الرقم الثاني (2) من بين سبعمائة (700) طالب من مختلف دول العالم، وكان الأول من دولة فيتنام.. ليتم توجيه يحيى بعد ذلك إلى مدرسة المهندسين (بوليتكنيك) تخصص الصناعات المعدنية -هي نفسها المدرسة التي تخرجت منها كريمته التي تدير حاليا المخبر الوطني للاشغال-..

نال يحيى إعجاب أساتذته حتى أن المدرسة قررت أن توفر له سكنا خاصا، وظروفا مناسبة احتراما لعبقريته وتميزه، لكنه فضل الإقامة مع زملائه، وأبناء وطنه؛ ليتقاسم معهم ظروف السكن والتنقل والدراسة...

تخرج يحيى من مدرسة المهندسين متفوقا فتلقفته شركة كندية لديها مشاريع فى السعودية وأغرته براتب

ضخم، وامتيازات كبيرة للعمل معها، لكنه فضل العودة لخدمة بلده موريتانيا...

عند عودته إلى البلاد التحق بشركة اسنيم مهندس صيانة، قبل أن يعين على قسم المشتريات بنفس الشركة.. بعدها عين يحيى -الذي أظهر طوال خدمته انضباطا كبيرا ومهنية لافتة وترفعا عن المال العام- مديرا لشركة (صافا) التي وجدها محتضرة؛ فكافح بصبر ومثابرة حتى أعاد إليها الحياة، وأثناء عمله مديرا ل(صافا) شارك فى مؤتمر للحديد والصلب في دولة الإمارات العربية المتحدة فأثار بأفكاره، وطرحه العلمي، وغزارة معلوماته انتباه الإماراتيين الذين طرحوا عليه مشاكل تقنية تعيق عمل إحدى مؤسساتهم النشطة فى ميدان الحديد والصلب؛ فعاين المؤسسة ميدانيا وتمكن من اكتشاف الخلل وإصلاحه، عندها طلبوا منه العمل معهم بالراتب الذي يريد، والامتيازات التي يقترحها، ولكنه رفض كل تلك العروض؛ لأن له التزاما وطنيا صارما بوضع كل خبراته وتجربته في خدمة وطنه موريتانيا...

لقد كانت مسيرة نجاح المهندس يحيى حدمين علميا وعمليا عبارة عن حلقات مترابطة، ومتماسكة وصلبة، ومن أمثلة ذلك أن دولة مالي اشتكت إلى الرئيس السابق معاوية ولد الطائع من تعثر أعمال إنشائية تقوم بها شركة (ATTM) الموريتانية لصالح الدولة المالية حيث عهد إليها بإنجاز طرق، وجسور في باماكو، وداخل البلاد، فاستدعى ولد الطائع على إثر ذلك -وباستشارة من محمد السالك ولدهيين المدير السابق لاسنيم-  المهندس يحيى لإنقاذ مايمكن إنقاذه من وضعية (ATTM) في مالي، لكنه اعتذر معللا ذلك بعمله مديرا ل(صافا) وبالوضعية التي وجدها فيها، وقد قطع أشواطا كبيرة على طريق إعادتها للإنتاج والنشاط الاقتصادي، وهو يفضل إكمال مهمته فيها حتى يضعها على السكة الصحيحة... لكن ولد الطائع ألح عليه كثيرا واقترح عليه الاحتفاظ بإدارة (صافا) إلى جانب الإمساك بملف (ATTM) وفي ذلك تزكية مهنية عالية قل أن يُتحصل عليها، وقد قبل يحيى العرض في النهاية لإصرار الرئيس عليه، وقد كان من الصعب جدا انتشال شركة الأشغال والصيانة (ATTM)، وتسوية وضعيتها في دولة مالي بسبب تغلغل الفساد، والتسيب الذي ينخر مفاصلها لكن المهندس يحيى حدمين وبعد أن درس ملفها جيدا، ووقف على وضعيتها ميدانيا تمكن من العبور بها إلى بر الأمان، وإنقاذها من الغرق الذي كادت أن تضمحل بسببه، ومرد ذلك بعد فضل الله هو مثابرة ونزاهة المهندس يحيى.. وقد واصلت الشركة أنشطتها فى مالي إلى وقت قريب، وأنجزت الإنشاءات المسندة إليها بنجاح ومنها جسور وطرق وطنية داخلية بالغة الأهمية، ونالت على إثر ذلك احترام وتقدير الماليين.. 

وبعد فترة ليست بالقصيرة من العمل الميداني على رأس مؤسسة (آتى تى أم) وقبلها صافا، وسنيم، استدعي المهندس يحيى حدمين لإدارة وزارة التجهيز والنقل؛ فكانت فترته فيها فترة جد ونشاط تميزت بمشاريع طرقية عملاقة ربطت معظم عواصم مقاطعات البلاد بالطرق الوطنية الكبرى مع بناء وإعادة تأهيل عدة مطارات داخل البلاد من أهمها مطار نواكشوط الدولي أم التونسي، وموانئ من أهمها: ( تانيت) و (انجاكو) مع توسعة ميناء الصداقة.. وبعد النجاحات التي حققها في كل المناصب المسندة إليه، وفي كل المحطات التي مر بها، والتي خرج منها نظيف اليد تم تعيبنه وزيرا أول من طرف الرئيس السابق محمد ولد عبد العزبز، وفي هذا المنصب الرفيع تمكن من ترشيد التمويلات، وإعادة أكثر من (50 مليار أوقية قديمة) إلى خزينة الدولة عبر استعادة ضرائب بالمليارات، ومحاربة التهرب الضريبي، واستعادة أموال من شركات كانت مستحقة عليها للدولة، وإلغاء استخدام الموظفين لمجانية السكن، والماء، والكهرباء، والمحروقات، والاتصالات، والتعويض لهم بدلا من ذلك عن طريق العلاوات، وهو ما شكل إيقافا لنزيف فوضوي في نفقات الدولة، وإلغاء تبويب على إكراميات ضخمة كانت تعطى دون وجه حق لأشخاص لايقدمون أية خدمة للدولة، وإلغاء ازدواجية المرتبات لأكثر من (2000) موظف، واستعادة أموال كانت تمنح بفوضوية للسفارات الموريتانية في الخارج، وتنظيم تلك الأموال وعقلنتها، وإلزام السفارات بالإنفاق من ميزانياتها دون انتظار التمويلات الجزافية الفوضوية، وبرمجة وعقلنة العلاوات والتحفيزات والتعويضات التي تمنح لوزراء الدولة وموظفيها في أسفارهم ومهامهم العملية، والتي كانت بابا مفتوحا للنهب والتلاعب والمحسوبية، ومنع النزيف المالي من أجل الترويج للموظفين الذي كان يمنح للصحافة، وبدلا من ذلك تم إنشاء صندوق الصحافة...

لم يكن يحيى مجرد مهندس وكفاءة وطنية بقدر ما كان سياسيا التف الناس من حوله فبنى قاعدة جماهيربة عريضة يكفي مثالا عليها  الأصوات الضاربة التي منحها مناصروه في كل أنحاء الوطن ومدينته جكني بصفة خاصة للرئيس محمد الشيخ الغزواني في الانتخابات الرئاسية الماضية... إنها قاعدة جماهيرية واسعة تتمدد لتشمل كل أنحاء البلاد، ومن كل الأعراق، وذلك يعود لكثرة علاقاته في البلاد.. ولمكانته السياسية انتخب يحيى ثمانينيات القرن الماضي ضمن المجلس البلدي بنواذيبو وهي مدينة شاهدة على إنجازاته المهنية والسياسية..

لقد ظل المهندس يحيى وفيا لإيمانه بشرف الممارسة السياسية، وبأن اختلاف وجهات النظر لايفسد للود الوطني قضية..

#إضاءات:

* طيلة مسار يحيى المهني لم يقم باستغلال أية سيارة للدولة في مهامه الخاصة..

* لم يستفد بقطعة أرضية واحدة من الدولة

* كان دائما ومنذ تخرجه يستلم راتبا لايقل عن مليون أوقية في زمن يستلم الوزير مائة ألف فقط، ولم يعش البطالة قط، وتقلد الكثير من المناصب:

-رئيس مصلحة مشتريات اسنيم

-مدير (صافا)

-مدير ATTM

-وزير التجهيز والنقل

-وزيرا أول

-وزير الدفاع

-وزير دولة -وهو أول من عين في هذا المنصب بعد فترة الرئيس المختار ولد داداه رحمه الله-

*في فترة رئاسته لمصلحة مشتريات اسنيم اشترى له شقيقه سيارة شخصية؛ لأنه يعرف أنه لن يستخدم سيارات الدولة في مهامه الشخصية.

* حرص والتزم بالتصريح بممتلكاته

* لم يمتلك في حياته أكثر من حساب مصرفي وحيد فتحه أيام تعيينه وزيرا للنقل débiteur

*طيلة وجوده في اسنيم كان يستلم راتبه بشكل مباشر ولم يكن بحاجة لحساب مصرفي

* ولأن مجتمعنا مجتمع فضولي يتساءل الكثيرون ماسر الخاتم المعدني الذي يلازم يد المهندس يحيى؟ ذلك الخاتم علامة نجاح تمنحها مدرسة المهندسين في كندا لخريجيها، وقد صنع من معدن مستخدم في إنشاء أحد أشهر الجسور في كندا، بني بخبرات ووفق استشارات وإشراف مهندسي المدرسة

*لم يقض إجازته السنوية خارج وطنه

*يعرف موريتانيا شعبا وأرضا. 

وخلاصة القول: إن مسار المهندس يحيى العلمي والعملي المكلل بالنجاح يستدعي تكريمه كنموذج للإطار الوطني النظيف.

أقول كل هذا على مسؤوليتي، ولأنني أعرف الرجل جيدا، وأجد نفسي فخورا به وبما قدمه لموريتانيا التي اختارها ولم تثنه كل الإغراءات والمغريات وفرص العمل في الخارج عن خدمتها والولاء لها تحت كل الظروف.

حفظ الله يحيى حدمين من كل مكروه.