افتتاحية حول القمة الاخيرة فى باماكو

أحد, 15/01/2017 - 13:58

انطلقت يوم أمس السبت 14 يناير 2017 في باماكو القمة الأفريقية الفرنسية 27،

في وقت تزدحم فيه التحديات أمام شعوب القارة ودولها : تفكك الدول، غياب الأمن،

تعثر مسارات التجارب الديمقراطية، توقف التنمية، اضطراب الجبهات الداخلية وضعف

التماسك الاجتماعي، انهيار الوعي بالذات الحضارية و التخلي الإرادي عن دعائم

الهوية الإفريقية الطبيعية بمختلف روافدها الغنية لصالح ألسن ولغات دول وأمم

الاستعمار السابقة، الفساد المالي للأنظمة وإصرارها المتزايد على عدم احترام ارادة

شعوبه المجسدة في دساتير بلدانها وميلها المتوثب ذي الطبيعة الوبائية لروح الطغيان

واختزال الدول في شخصية الحاكم ومحيطه الأسري والعائلي.

 

 

آفات قديمة ومتجددة تفتك بالمجتمعات والدول الإفريقية بقبول ظاهر في بعض

الأحيان وتعاون خفي في اغلب الأحايين من أنظمة الحكم الأوربية والفرنسية المتعاقبة

بيسارها ويمينها، رغم افتخار الأخيرة الدائم بامتلاكها كدولة وأمة لمنابع التوجه

المعاصر للتحليل الفلسفي للأصول الفكرية والسياسية لعصر الأنوار الأوربي الذي حصل

في القرن السادس عشر وأسفر عن تغيير الشروط الفعلية لممارسة السلطة في جل دول

العالم وتبديل الشروط الفكرية لتعريف جوهر السياسة وغاياتها واستند على دعامتين:

سيادة الدولة من جهة، وتمثيل الأفراد من جهة ثانية.

 

 

القمة تنعقد على أرض دولة إفريقية شقيقة انتهكت حركات الغلو والتطرف سيادتها

كدولة، وألغى انقلاب عسكري إرادة شعبها، وعادت فرنسا في أطار سيرورتها الاستعمارية

القديمة ل(تطرد) هذه الحركات وتحل قواتها محل مليشياتها وتذكر إفريقيا من خلال ذلك

بماضيها الاستعماري العابر لسيادة الدول كما ذكرتها به في 11 ابريل 2011 في

أبيدجان، وفي 17 مارس من العام نفسه في طرابلس الغرب ضمن سلسلة عمليات تختزل موروث

الرؤية الإمبريالية القائمة على خلفية السيطرة والتحكم وتأمين نصيبها من أسواق

وطرق الإمداد من وإلى مستعمراتها السابقة في قارة غنية بالموارد والمواد الأولية

المنهوبة لصالح تطور ورفاهية الإنسان الأوربي الذي كان جشع حكامه وشركاته متعددة

الجنسية خلال قرنين هما أهم سبب من ما تعاني منه إفريقيا من فقر مدقع وحروب أهلية

ونزاعات بلغت كلفتها حسب منظمة الإغاثة الإنسانية البريطانية في العقد الماضي وحده

نحو 300 مليار دولار شملت 23 بلداً إفريقيا وهو حجم يساوي تقريباً حجم كل

المساعدات المالية والاقتصادية التي تلقتها هذه البلدان في الفترة نفسها، ومع ذلك

غُيَّبت مواضيع التنمية وتطوير المؤسسات المدنية وكيفية المساعدة على التمكين

للمواطن الإفريقي من خلال تنمية وعيه‏ وتفعيل مشاركته وانخراطه في عمل سياسي لخلق

استجابة جماعية منسقة تواجه جوهر ما تعانيه القارة، وتم بدلا من ذلك في قمة باماكو

التي حضرها أكثر من 30 رئيس دولة أفريقية التركيز على الإرهاب ودعم فرنسا لدول مجموعة

الساحل في محاربته.

 

 

صحيح أنّ القارة الإفريقية تعاني من تهديد الإرهاب لكن لا تحتاج في علاجه إلى

قواعد عسكرية، وأسراب ( درون) و( ابريكي) وطلعات القاذفات الاستراتيجية وتنسيق

المخابرات فحسب، وإنما تحتاج قبل ذلك في محاربته لتجفيف منابعه والقضاء على تربة

احتضان بذوره بتنمية بشرية واقتصادية وثقافية واجتماعية، وكيفية استعادة أموالها

المسروقة نتيجة تحالف مستمر بين قوى النهب الاستعماري والفساد السياسي للأنظمة،

واستثمار تلك الاموال بوعي ومعرفة في ما يفيد إفريقيا، ووضع قواعد تعليم تنقل

أجيالها الصاعدة التي تفوق ثلثي السكان من حال التيه والعدمية إلى الولوج إلى

الموارد الطبيعية الكفيلة بإنتاج حاجات بلدانها من الغذاء على أرضها المعطاء،

تعليم ينتج عقولا إفريقية لصناعة أدوية الملاريا والضنك والسل والتيفويئد، تعليم

يصنع الهوية الحقيقية الجامعة لمجتمع طبيعي موحد في كل بلد، مجتمع عصري وحديث

بإمكانه دائما أن يتفاوض سلميا حول نزاعاته الداخلية، إذ لا فائدة مطلقا في تحرير

ولاحرية ولا ديمقراطية في وطن يزرع على الدوام بذور الحروب الأهلية وتغول حكم

الفرد و الأسرة، والفساد المالي والإداري وتغيب فيه قوانين موحدة للجميع عندما

تَحْمِي وعندما تُعاقِب.