التعليم و مكمن الخلل..!!

أربعاء, 17/07/2019 - 03:20

تقدر ثروة الأمم بما تملكه من مقدرات طبيعية وبشرية تضاهي بها بعضها البعض؛ وإذا كانت القوة الاقتصادية والعسكرية هي الميسم في الهيمنة والنفوذ؛ إلا أن عاملا حاسما دخل في مفهوم القوة الناعمة التي تمتلكها الدول؛ بعيد الحرب العالمية الثانية؛ ألا وهو: "الإنسان الثروة"؛ أو الإستثمار في الإنسان.
ولئن كانت الدول تختلف في الإهتمام بالعلم الذي هو أداة بناء الإنسان الموجه للتنمية ومحورها وليس ذلك الإنسان الذي  تفرض عليه أجندى التنمية في قالبها المستورد وبخطابها الذي قد لا يراعي الخصوصيات المحلية لهذا البلد أو ذاك؛ فإن تحليلا لمكمن الخلل في منظومتنا التعليمية وما تفرزه من مخرجات تشكل عائقا أمام خلق ذلك الإنسان المنتج؛ تجعلنا أمام واقع مرير تبدء بوادر إرهاصاته في فقدان الهوية التي تمنح الإنسان قوة في أن ينهل من معين العلوم عبر لغته الأم؛ لما لذلك من تأثير  نفسي ووجداني إيجابي على ملكته وقدراته الذهنية.
إنما يسمى الإصلاحات التربوية التي شهدتها البلاد والتي كانت متنازعة بين تياري "الفرنسة" و"التعريب"؛ خلق أجيالا متنافرة، فكان جيل ما بعيد الاستعمار إلى نهاية الثمانينات من القرن الماضي جيلا؛ "افرنكفوني" بامتياز  درس بلغة المستعمر؛ رغم كفاءته وحسن تكوينه؛ لتدخل البلاد في فترة تعريب المناهج؛ وما أحدث ذلك من فجوة عميقة بين مخرجات تلك المناهج والطابع "الافنكرفوني" للإدارة؛ مما نجم عنه استشراء  لظاهرة البطالة التي أصبحت لا مناص منها في ظل نظام  تربوي "معرب" وإدارة "مفرنسة"؛ رغم ضعف الاكتتاب في الوظيفة العمومية بشكل عام.
بيد أن إصلاح المنظومة التربوية الأخير؛ _والذي حاول أن يوازن بين النظامين سالفي الذكر_ أدى في نهاية المطاف إلى عدم القدرة على المواءمة ما بينهما؛ منتجا مخرجات  لا هوية رسخت من خلالها؛ ولا قدرات علمية حققت سواء بلغة الدستور أو بلغة المستعمر.
إن نسبة النجاح الضعيف في أهم مسابقة وطنية لهذه السنة(مسابقة الباكالوريا)؛ إن دلت على شيء فإنما تدل على تدني مستوى التعليم في بلادنا عموما؛ ولن نلقي باللائمة على المناهج التربوية فحسب وإنما على فوضى التعليم؛ وتخلي الدولة عنه وخوصصته؛ وضعف التكوين والتأطير المستمر للكادر التربوي؛ وضعف الرقابة على العملية التربوية عبر مختلف مراحلها.
إن عدم الاهتمام بالمدرس وتدني أجره؛ والحط من مكانته؛ وجعله كسلالم؛ تجتاز من خلاله أجيالا تلو الأخرى إلى مستويات دراسية مختلفة؛ دون تكريمه أو تثمين دوره في عملية التنمية الشاملة؛ لهي عوامل تحفر في نفسه اليأس والإحباط وتجعله يغدو ويروح وهمه أن ينقضي الشهر ليقبض تلك الدريهمات المعدودة؛ والتي شتت فكره وأفقدته التركيز طيلة أيام الشهر وهو في أثناء الدرس؛ في كيفية صرفها على واجبات تكاثرت وديون تناثرت...
إن إصلاحا حقيقيا يروم المنظومة التربوية ويعلي من شان مخرجات تعليمنا الوطني؛ لن يتأتى إلا بتوحيد لغة التعليم؛ وفقا لروح الدستور؛ وإيلاء التعليم أهمية كبيرة، عبر تخصصيه نسبه هامة من الموازنة السنوية دعما وتكوينا وتأطيرا.

احمد جدو محمد عمو