في أفق التناوب .. ما ذا عن القائد المنتظر؟

سبت, 19/01/2019 - 11:02

في الأيام القليلة الفارطة ، كانت بلادنا على مُفترق طرقٍ حقيقي بين الأمل و اليأس، و بين الإجماع و الفرقة، و بين احترام الدستور و العبث به.

و هنا كان فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز على مستوى التحدي حين انحاز للأمل و الإجماع و احترام الدستور...كان رجلا حقا حين أعلَى قيمةَ الوطن و مؤسساته الدستورية، و نَحَّى جانبًا كلَّ غرائزِ البقاء و التّشَبُّثِ بالسُّلطةِ، و نحَّى أيضا كلّ دعوات الساعين للحَيْلولَةِ بينه و بين شرفه و عزّته...فاستطاع بذلك أن يدخل التاريخَ مِن بوّابةٍ لا يدخل منها إلا الكبار، فلِلسيدِ الرئيسِ منا كلُّ التهاني بهذا المجد الذي سعى الكثيرون لصَرفه عنه بحسن نيةٍ أحيانا، و ربما بسوء نية أحيانا أخرى.

هذا القرار السَّديدُ فتح آفاقًا من الأمل في استمرار الاستقرار السياسي و تجذيره، و إضفاء مستوًى من القداسة على مبدإ التناوُبِ السلمي يصعب اختراقه في المستقبل، و ذلك لَعمري مكسب وطني كبير.

كما أن هذا القرارَ الذي تمّ الحسمُ فيه كان على مرمى حجر مِن الاستحقاقات الرئاسية المقبلة، يجعل عيونَ الجميعِ تَشْرَئِبُّ نحو المستقبل و طبيعة القائد الذي ستكون البلادُ على موعد معه في قابل الأيام.....

و قناعتي هنا أن البلاد في هذه المرحلة تحتاج لقائد يجمع بين خصائصَ و سِماتٍ عديدةٍ.

أولها : سعة الأفق و القدرة على لَمِّ الشمل و تدعيم مُكتسبات الحرية و الفعل الديمقراطي الوطني.

ثانيها : عمق الحس الأمني الإستراتيجي في أفق التداعيات الأمنية و الأطماع الناجمة عن صعود البلاد بحول الله في قائمة مصادر الطاقة العالمية، كما تؤكده الاكتشافات العملاقة التي بدأت إجراءات استخراجها .

و هذا الحسّ الأمني يتأكَّدُ أيضا بالنظر إلى هشاشة المنطقة الإقليمية التي نعيش معها على تَمَاس واضح، أعني منطقة الساحل التي يسود الآن اعتقادٌ بأنها ستكون الوجهة الأولى لجماعات العنف بعد تضييق الخناق عليها في مراكزها الكبرى في العراق و الشام.

ثالثا: أن يكون القائد المقبل ممن يحظى بالثقة من قبل المشهد السياسي و الشعبي الوطني، بالإضافة إلى الخبرة في الميكانيزمات و التوازُنات الإقليمية و الدولية للقدرة على التفاعل الذكي مع تلك السياقات، و تجنب ما أمكن مِن مطباتها.

رابعا : تَمَثُّلُ القائد للذات الحضارية للأمة الموريتانية، و تثمين روافد هذه الذات، و السعي إلى صيانتها باعتبارها الأساسَ الصلبَ للأخُوة و التعايُش الوطني.

خامسا : القدرة على هَزِّ الساحة الوطنيةِ بمبادرات و مشروعات خَلَّاقَةٍ قادرة على تحسين توجيه بوصلة الخدمات الوطنية الكبرى خصوصا ما يتعلق بالصحة و التعليم و التشغيل، بضخ تمويلات غير تقليدية في قطاعات هذه الخدمات تدعمها رؤيةٌ قيادية ثاقبة، تسعى لبناء أجيال وطنية راشدة مُشَبَّعةٍ بأنوار العلم و الوعي، دون الوقوف كثيرا أمام احتساب التكاليف المادية لذلك، و هو ما يتطلب تفكيرا عملاقا خارج السائد و الممارس.

و شخصيا بالنظر إلى الخيارات المتاحة حتى الآن، و رغم أن الكثير منها لا يعدم بعضا من المصداقية وفقا لهذه المعايير، إلا أن خيارا واحدا من بين تلك الخيارات يبدو الأكثر تطابُقًا مع هذه المعايير هو خيار السيد / محمد ولد الغزواني، نظرا إلى سعة أفقه ، وثقافته المُجَنِّحة بجناحَيْ الأصالة و المعاصرةِ، مع عمق اجتماعي روحي سامٍ بالمَلَكات، و مُقدرٍ للذات الحضارية الوطنية.

تنضاف إلى ذلك مهارات قياديةٌ عاليةٌ و بُعْدٌ أمني عميق يُجافي السطحِيةَ في التصوُّر و التعامل، كانت بصماتُه جليةً على المؤسسة العسكريةِ التي خضعت لمسارٍ مشهود من التطوير و النهوض جعل قواتنا المسلحة  تقف واثقة كالطود الأشم في العواصف الأمنية التي عصفت ببعض دول الجوار، و امتدت ألسنتُها إلينا على حين ضعف استفدنا من دروسه بسرعة لله الحمد.

ينضاف إلى ذلك أن الجنرال محمد ولد الغزواني شخصيةٌ غير مُستهلكةٍ، و هو في بعده الوطني  يحظى بالتقدير و الثقة من لدن غالبية أطياف المشهد السياسي الوطني موالاةً و معارضة، و في بُعده الدولي و الإقليمي ذو علاقات و صِلاتٍ فرضتها بالتأكيد مكانتُه الرفيعةُ و الحساسةُ ضمن منظومة الحكم الوطني منذ ما يزيد على عقد من الزمن.

و الأكيد أنه لا بد أن يكون ذا وعي بالنواقص التي ما زالت ملاحظةً في قطاعات الخدمات الكبرى كالصحة و التعليم و التشغيل، و لعل مِن حسن الطالع أن تكون البلادُ بحول الله على موعد مع قفزة في الاقتصاد و الثروة الوطنية خلال السنتين المقبلتين، و هو يُسهل التغلُّبَ على الكثير من تلك النواقص.

و مما يرفع رصيد السيد محمد ولد الغزواني إِبانَتُهُ عن الجدارة بالثقة مِن خلالِ حفظ العهد و الأمانة و المسؤولية التي ظهر بها في أوقاتٍ كثيرا ما استغلّها أصحابُ المصالح و المُولُّونَ ظهورهم للقيم كما نلاحظ في الرحلة الاستشفائية الطويلة لفخامة الرئيس،

حتى كأن غزواني يستحضر بدقة بيتَيْ كُثير عزة حين قال:

وَلَيْسَ خَلِيلي بالمَلُولِ ولا الَّذي ** إذا غبتُ عنهُ باعني بخليلِ

ولكنْ خليلي منْ يدومُ وصالُهُ ** ويحفظُ سرّي عندَ كلِّ دخيل

 فكان بذلك محل ثقة كاملة من رفاقه، و خصوصا فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز.

و حفظُ العهد ، و صدقُ الوعد من أبرز صفات القائد المحترم.

 

الولي طه