قيادي معارض: على المعارضة ان تترك البحث عن مرشح وتدعم غزواني

جمعة, 18/01/2019 - 16:29

كنت وسأبقى معارضا للأنظمة السياسية لأن قناعتي أن على الصحفي أن يبقى معارضا للسلطة ما بقي صحفيا. حتى ولو دخلها الحزب الذي يدور في فلكه السياسي.

قد تبدو هذه مقدمة غريبة بعض الشيء لهذا المقال، ولأنها كذلك فإن هذا المقال الغريب يستحقها.

 

 استحالة المرشح المعارض

لم تخف وجوه قادة منتدى المعارضة الديمقراطية مدى الإنهاك الذي يعانيه تفكيرهم في إيجاد مرشح موحد، أو مجرد مرشح حتى ولو كان غير موحد. ولم تختف الحيرة في تطاول الخطوات المزعج؛ فبالأمس فقط أعلن اللجنة التي ستضع المعايير الفنية بعد الاتفاق على المعايير العامة، وبعد الموافقة على المعايير، سيبحث عمن تنطبق عليه، ومحاولة إقناعه..

 

وإذا استمرت الوتيرة هكذا فسيكون أول اتصال بالمرشح التوافقي بعد استلام الرئيس الجديد مهام عمله في القصر بسبعة أيام. وقد بدأ الرئيس برام يقصف جبهة المرشح الخارج من رحم الأغلبية، ولكلامه وقع أخلاقي في هذه النقطة بالذات.

ومن الواضح أن مرشحي رحم الأغلبية، سيواجهون صعوبة في الخروج من الرحم بعد الهزيمة التي تلقاها معسكر استدامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز بالبيان الموقع من عزيز، والذي لا يمثل بالضرورة قناعته العميقة.

 

بل إن "تعسر الخروج" من الرحم سيعتري بعض المرشحين القريبين إلى الصف المعارض، أو الذين يمثلون مناطق وسطى بين الصفين؛ فليس متوقعا أن يغامر من يرى لنفسه حظوظا جدية في معركة خاسرة، وما يتسرب من معطيات عن رفض هذا وتردد ذاك، يؤشر إلى أنه لن يوجد مرشح جدي.

ومن العبث استثمار جهد بحجم حملة رئاسية في مرشح غير مقنع لمجرد تسجيل موقف بأننا ضد مرشح السلطة. مرشحو المعارضة الذين يجري الحديث عنهم من داخل الأحزاب ليسوا مرشحين جديين، ولا الذين لم يجر الحديث عنهم أكثر جدية؛ فمع احترامي الشديد للرئيسين: صالح ولد حننا، ومحفوظ ولد بتاح، فهما لم يستطيعا دخول البرلمان في آخر استحقاقات، والرئيس محمد محمود ولد سيدي، رغم شعبيته داخل حزبه وعمقه الاجتماعي، ليس شخصية رئاسية، وكذا زعيم المعارضة الديمقراطية الحسن ولد محمد رغم رمزيته في الطيف المعارض بعد انتصاره في الشوط الثالث في بلدية عرفات على آلة النظام، وقد حرقت ورقة الرئيس محمد جميل منصور بترشيحه للمجلس الجهوي في نواكشوط وعدم تمكنه من الفوز به، بغض النظر عن الظروف التي اكتنفت ذلك.

أما الرئيس محمد ولد مولود فرغم كونه المرشح الأكثر سياسية فهو ينتمي لمدرسة سياسية تقليدية جدا، ولا يمتلك كاريزما الرئاسة، وخلفيته الأيديولوجية، مشتبكة منذ عقود مع أهم مقومات الشخصية الوطنية، رغم ما يُؤْثر عن الرئيس محمد من تدين شخصي، وما صرح به من عدم حاجة موريتانيا للعلمانية. الصورة العامة لليسار في الذهنية المحلية، وبعض مواقفه العميقة من الدين والتي بات شبابه، وبعض مؤطريه من شيوخه، يحرصون على إبراز تعبيرات مستفزة عنها، يصعب معها تسويق رئيس ذي خلفية يسارية، في مجتمع يعتبر الدين أحد أهم المحركات لسلوكه العام. ومن وجهة نظر خاصة فلا أعتقد أن جماهير تواصل، وهو أهم القوى المنظمة في المعارضة، وأكثرها تعبئة، ستتحمس للحملة لمرشح منحدر من اليسار، فما زالت الخلفية الفكرية محركا أساسيا لنشاط جمهور التيار الإسلامي، وإن كانت تراجعت، لصالح عوامل أخرى، في دوائر نخب التيار الإسلامي، وفي الدوائر القيادية لحزب تواصل. لا أريد استفزاز أنصار الرئيس برام ولد الداه عبيد، ومع ذلك لا أستطيع إلا أني أقول إن تحويله إلى مرشح رئاسي موحد، وتسويقه على ذلك الأساس، لا يقل صعوبة عن وجود مرشح موحد للمعارضة، أرجح تحليلا، أن الرئيس برام كان من أوائل رافضي الانخراط في جهود البحث عنه.

 

 

 

برام مناضل حقوقي، وخطيب مفوه، وصاحب قضية ذكي، ولكن خطابه ما زال بحاجة إلى كثير لكي يحمل سمات الخطاب الجامع الذي تحتاجه الرئاسة، ومرشحوها.

 

 

 

إن عدم القابلية للتسويق هي المعضلة أمام كل مرشحي المعارضة الأصليين والمجتلبين منهم على حد السواء. مرشح لتكريس التناوب إذا صح أن دوائر القرار في الأغلبية، وبالأخص مؤسساتها الصلبة، حسمت أمرها لصالح ترشيح قائد الجيوش السابق محمد ولد الغزواني للرئاسة، وهو أمر تتكاثر مؤشراته كل يوم، فإن حسابات الساحة الوطنية ينبغي أن تتوجه لما بعد انتخابات الرئاسة المنتظرة بعد أشهر؛ فمن الواضح أن الرجل سيكسب الرهان بنسبة كبيرة من الشوط الأول. وهو أمر لا أعتقد أن عليه خلافا كبيرا وجديا بين المراقبين. بل إنني من باب المزح كنت أقول إن كل واحدة القوى المجتمعة الآن في المنتدى والتكتل، تتمنى في دخيلة نفسها وجود خط للتواصل مع ولد الغزواني، وإن اختلفت درجات التمني، والحصافة في التعبير عن خواطرها، من قوة لأخرى.

 

 

 

وهناك مؤشرات تتطاير في التصريحات، يلتقطها المتابعون. لا أستطيع تقدير نسبة الاختلاف بين نهج غزواني في إدارة شؤون الدولة عن نهج رفيق دربه الرئيس محمد ولد عبد العزيز، ويشير بعض متابعي مسيرة الرجلين إلى تباعد في الطبيعة من المرجح أن يترك أثره على التعاطي مع الملفات الكبرى.

 

 

 

وبغض النظر عن الاختلاف والاتفاق بينهما، فإن السياق وطريقة إتيان كل منهما السلطة مختلفة إلى درجة سيكون أثرها أبلغ من أي اختلاف في الطبائع، وهذا ما يمكن أن يكون للفاعلين السياسيين إسهام فيه. إن مكسب احترام الدستور الذي أسهمت القوى المعارضة، عبر مسيرتها الطويلة في تكريسه، هو مكسب هذه الانتخابات الأوحد حتى الآن، وياله من مكسب! ستنتهي دورة الانقلابات والانتقالات التي أنهكت البلد، وجعلته في حالة أزمة لعقود من الزمن. فلمَ لا تلعبها المعارضة وتجعل مرشح التناوب مرشح إجماع؟

 

 

 

إذا دُعي إلى حوار وطني جدي تتحسن معه شروط العملية الديمقراطية، ويكون التوافق على مرشح الأغلبية عنوانا للخروج من الأزمة السياسية، مقابل تطوير المنظومة القانونية والسياسية، لصالح مزيد من الشراكة، على قاعدة المصلحة الوطنية العليا، ومزيد من تمدين الحياة السياسية.

 

 

 

أظن أن مسؤولية المبادرة بمثل هذا الطرح لا تقع على عاتق المعارضة، وإنما على غزواني نفسه إذا أراد أن يكون رجل اللحظة الوطنية، ويتجاوز حالة الاستقطاب في المشهد السياسي.. أتمنى أن يمتلك جرأتها. إن مجيء محمد ولد الغزواني وهو يحمل معه دعم المؤسسات الصلبة، وحالة إجماع وطنية، وخطوطا عريضة لبرنامج وطني تنفيذي للمأمورية الأولى، من شأنه أن يجعله قادرا على التخلص من التركة الصعبة لسلفه محمد ولد عبد العزيز، ويتخلص من سطوة هذا الأخير على بعض مناحي العامة اقتصاديا وسياسيا.

 

 

 

وهذا جهد وطني لا يقل عن أهمية عن تكريس التناوب. وقد جربت فكرة مرشح الإجماع في بلدان أخرى، ولم تكن كلها سلبية.

 

 

 

ويحتاج الاستحقاق الاقتصادي القادم (الغاز ولواحقه) إلى برنامج وطني هو الآخر، والدعم السياسي العريض سيسمح بحرية أكبر في تحريك الملفات وترتيب أوراق الثروة الضخمة التي ستبدأ الاستفادة من نتائجها خلال الشهور العشرة الأولى بعد مقدم الرئيس الجديد. وستفتح الثروات المتزايدة تحديات جمة لا قبل للبلد بها، ويحتاج الحد الأدنى من مقومات مواجهتها إلى إنهاء حالة الانقسام الحادة، وإنهاء الأزمة السياسية التي نتخبط فيها. دأبت المعارضة محليا على "إعطاء فرصة" للرئيس الجديد، والحكومة الجديدة، فلم لا تجعلها هذه المرة فرصة مشروطة قبل الانتخاب؟

 

ليس هذا المقال دعوة لليأس، ولا إحباطا، من الجهد الوطني الذي تبذله المعارضة، بل هو فتح لمنفذ تفكير جديد، أظن أن من يتولون مسؤوليات، لا يمكنهم أن يفتحوه، وقد منّ الله علي بالتخفف من ذلك.

محمد عبد الله ولد أحبيب